يعيش سعيد*، وهو أب لستة أبناء ويبلغ من العمر 54 عاماً مع أبنائه وأمه في الموصل
سعيد، صاحب معمل يسمى باسمه؛ معمل سعيد العركوب للبلاستيك والألمنيوم، يقع في الجاني الأيسر من مدينة الموصل. بدأً سعيد العمل في مجال صناعات الـ (بي في سي) عام ١٩٩٩. وبعد بداية صعبة، كأي مشروع جديد، استطاع سعيد أن يوسّع من نطاق عمله، حتى اضطر إلى الاستعانة بـ ١٢ عاملاً بدوام كامل، لتلبية الطلب
عندما احتل داعش الموصل عام ٢٠١٤، اضطر معظم عمال سعيد إلى الفرار للنجاة بحياتهم. وأصيب المعمل بالصواريخ ودمِّرت نصف بنايته. وتوقف العمل لما يقرب من ثلاث سنوات. يقول سعيد: "كانت الحياة صعبة للغاية، إذ لم يكن لدينا سوى خيارين؛ البقاء والانزواء في الدار، أو الهروب نحو الشمال رغم المغامرة التي قد تنتهي بالقبض علينا وقتلنا من قبل داعش"
يصف سعيد كيف أدت الفترة التي عاشها أثناء احتلال داعش إلى انهيار الاقتصاد، فضلاً عن الصحة العقلية للأهالي نتيجة لما كانوا يعانون من خوف وقلق مستمرين، إذ كان ابنه الأصغر يعيش في رعب دائم لدرجة أنه كان يجلس غالباً بجانب والديه ويضغط على أيديهما بإحكام، خشية اقتحام داعش لمنزلهم. يتذكر سعيد: "تخيلوا معي سماع أصوات الصواريخ وهي تتطاير فوق بيوتكم، منتظرين أن يصيبكم أحدها؟!" " ليس أمامكم سوى الصلاة والتضرّع لله طلباً للنجاة."
في عام 2017، حاول سعيد إعادة عمله لأنه كان بحاجة إلى مصدر دخل لإعالة أسرته، لكن معمله أصيب بقذيفة أثناء معركة استعادة الموصل، ودمرّت ما تبقى منه
"لن أنسى أبداً تلك اللحظة التي وجدت فيها معملي مدمّراً بالكامل. لقد أصابني الدمار كما أصاب معملي، وظننت أنني لن أستعيده أبداً، لكنني لم أستسلم. فشرعت في إزالة الركُام بيديّ العاريتين؛ واستغرق الأمر مني أشهراً عدة حتى أزلت كل الأنقاض، ومن ثم استطعت أن أعيد بناء جزء من المعمل"
"أثناء معركة استعادة الموصل، كانت ابنتي على وشك ولادة طفلها الأول ولكن لم يكن هناك أطباء أو مستشفيات نذهب إليها". قال سعيد. "مخاطراً بحياتي من أجلها وطفلها القادم، خرجت من البيت باتجاه قوة من الجيش العراقي، أحمل راية بيضاء وأصرخ طلباً للمساعدة. كانت مدافع الجنود وأسلحتهم مصوبة نحوي، فنزعت ثيابي ووضعت يديّ فوق رأسي؛ فساعدوني بعد أن اطمأنوا لي وأخذوا ابنتي إلى حيث كان الأطباء. وأنجبت ابنتي طفلة جميلة أسميناها تحرير"
سرعان ما تحسّن الوضع الأمني والاقتصادي بشكل طفيف بعد تحرير الموصل، وعاد سعيد إلى العمل في معمله الذي أعاد بناء قسم منه، مستعيناً بما توفّر لديه من معدات وآلات. وعندما أخبره أحد أصدقائه عن صندوق تطوير معمله بمبلغ المنحة، واشترى جميع ما يحتاجه من مكائن ومعدات؛ كما قام بتشغيل ثلاثة عمال
يقول سعيد إنّ صندوق تطوير المشاريع يوفر فرصاً ثمينة لمساعدة أصحاب الأعمال على النهوض والعمل من جديد، فضلاً عن فرص العمل التي تتيح لأصحاب الأعمال والمشاريع تشغيل المزيد من الأيدي العاملة. ومن شأن هذا الصندوق أيضاً أن يشجّع النازحين على العودة والحصول على فرص عمل. مثال ذلك، عودة عاملين كانا يعملان لدى سعيد سابقاً، بعد أن هربا من الموصل خوفاً من داعش، بعد أن علموا بعودة العمل للعمل من جديد
دخيل*، شاب عمره ١٨ سنة، عامل جديد لدى سعيد العركوب. له سبعة أشقاء صغار يعتمدون عليه، لكون والدهم مريضاً ولا يقدر على العمل. كان دخيل طالباً عندما احتل داعش الموصل. أصاب صاروخ دارهم، وأدى إلى إصابة والده وجدتّه بجروح بالغة؛ فاضطر دخيل إلى ترك دراسته والعمل من أجل إعالة أسرته.
جاء دخيل إلى معمل سعيد باحثاً عن عمل، حيث كان يعمل سابقاً بأجر يومي في معامل وورش الـ (بي في سي) ولديه خبرة في هذا المجال. فتم التعاقد معه، وبدأ العمل في المعمل بصفة فنّي. وبفضل فرصة العمل هذه، قرر دخيل مؤخراً استئناف دراسته. "هذا العمل سيساعدني في تمويل دراستي وإعالة أسرتي"
قال دخيل، "لولا هذه الفرصة، لحُرِمت من الدراسة إلى الأبد"
فارس*، أب لثمانية أبناء ويبلغ من العمر ٤٥ عاماً. كان عاملاً في معمل سعيد العركوب لمدة ١٠ سنوات قبل احتلال داعش للموصل. هرب مع عائلته إلى دهوك بحثاً عن الأمان وظروف معيشية أفضل بعد الاحتلال، لكن الحياة هناك لم تكن سهلة أبداً؛ إذ كان من الصعب عليه العثور على عمل، فضلاً عن تكاليف المعيشة الباهظة، من أجرة واحتياجات أسرية
عندما سمع فارس أن معمل العركوب يعمل من جديد، اتصل بسعيد الذي لم يتردد بقبول عودة فارس إلى العمل. فعاد فارس وعائلته إلى الموصل بعد وقت قصير من تلك المكالمة، وباشر العمل في المعمل فوراً. يقول فارس: "أشكر المنظمة الدولية للهجرة على دعمها للمعمل، فبفضل ذلك استعدت عملي، وأنا وأطفالي سعداء للغاية بالعودة إلى دارنا مرة أخرى، وبعودتهم إلى المدرسة ورؤية أصدقائهم مرة أخرى"
شعور سعيد بالأمل يتجدّد بوجود فريق جديد من العمال، واستئناف معمله العمل وفق المسار الصحيح
ويقول: "عندما استولى تنظيم داعش على الموصل، نسينا قيمة الإنسانية، لكن المنظمة الدولية للهجرة أظهرت لنا أنّ لكل شخص الحق في أن يعيش بسلام وبدون خوف"
معمل العركوب للبلاستيك والألمنيوم مدعوم من قبل صندوق تطوير المشاريع، وهي مبادرة بتمويل مشترك من وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب الولايات المتحدة للسكان واللاجئين والهجرة (PRM)
* تم تغيير أسماء الأشخاص وتفاصيلهم التعريفية، من أجل حماية خصوصيتهم
بقلم: سازان جودن، بمشاركة آفند حسن. تصوير: انجام رسول و هیرش یاسین/المنظمة الدولية للهجرة في العراق.