محلّ خياطة نمبَر وَن - السليمانية

نشأت مهاباد شريف وهي تشاهد والدتها، كولجين حامد معروف، تخيط الملابس لجميع أفراد أسرتها. ومع أن كولجين لم تكن خيّاطة محترفة، إلاّ إنها كانت شديدة الاعجاب بآلة الخياطة الخاصة بحماتها. ومع مرور الزمن، تجرأت كولجين أن تطلب من حماتها استخدام ماكنة الخياطة. تقول كولجين: "تعلمت أن لا بأس من المحاولة وإثارة بعض الفوضى هنا وهناك".

بعد فترة، قام زوج كولجين بشراء ماكنة خياطة وأهداها إياها. أثبتت كولجين أن تلك الماكنة كانت ضرورية لأسرتها خلال الحرب العراقية - الإيرانية وما تلاها من عقوبات اقتصادية على العراق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ونشأت مهاباد وهي تشاهد والدتها تخيط جميع ملابس أسرتها. لم تدرك مهاباد حينها أن القدَر يخبيء لمستقبلها شيئاً كبيراً.

في عام 2003، افتتحت مهاباد محل خياطة نَمبَر وَن. كان لديها عامل واحد في ذلك الوقت، لكن عدد زبائنها ازداد شيئاً فشيئاً؛ وفي عام 2021 حصلت مهاباد على منحة صندوق تطوير المشاريع. كان لديها آنذاك خمسة موظفين، بيد أنها بفضل المنحة، تمكنت من توظيف خمسة آخرين. "أنا أخطط لتوسيع نطاق عملي وزيادة عدد العاملين لديّ إلى 20 شخصاً في العام المقبل" تقول مهاباد.

فضلاً عن ازدياد عدد العاملين لديها، تسعى مهاباد إلى أن تفيد مجتمعها أيضاً، من خلال شراء ما تحتاجه من مواد من الأسواق المحلية. "الكلّ سيستفيد عندما نشتري منتجات محلية الصنع". وفي المساء، تعطي مهاباد دروساً في الخياطة للأشخاص الراغبين في بدء مشاريعهم الخاصة.

مثّلت مؤهلاّت مهاباد المتنوعة كخيّاطة محترفة وسيدة أعمال ومدرّبة خياطة، مفتاح نجاحها. وكانت قدرتها على التكيف ضرورية بعد الأزمة الاقتصادية التي خلّفتها جائحة كورونا في السليمانية عام 2020. فرُغم إغلاقها أبواب محلها لستّة أشهر، لم تتوقف مهاباد عن الإنتاج؛ إذ قامت بصنع كمامات الوجه مجاناً لصالح مستشفى هيوا للأورام، ثم توسعت حتى صارت تبيع الكمامات في جميع أنحاء المدينة.

طوال عام 2020، حافظت مهاباد على عملها دون تسريح أيّ من العاملين لديها، وحصلت في الأشهر الأولى من عام 2021 على منحة صندوق تطوير المشاريع البالغة 22.000 دولاراً التي كانت بمثابة طوق النجاة لإخراجها من تلك الضائقة. اشترت مهاباد بمبلغ المنحة ثلاث ماكنات خياطة وماكنة تطريز وآلة وضع العلامات. وللتعريف بمحلّها ومنتجاتها الجديدة، وظّفت مهاباد لديها شخصاً ليتولّى إدارة وسائل التواصل الاجتماعي؛ وأنشأت حساب انستاكرام خاص بعملها @bargdrwy.number1. كما كان للمكائن والمعدات الجديدة أثرٌ كبير ضاعف من قدرة الانتاج.

اليوم، تجلس مهاباد في مكتبها وتستمع إلى طلب أحد زبائنها، وسط ضجيج ماكنات الخياطة التي تملأ المكان وأصوات العاملين. وعلى الجدران بجانب نوافذ المحل الكبيرة والمشرقة، ترى بكرات من الخيوط الملوّنة بينما تنتقل قطع القماش من يد إلى أخرى عبر مراحل الإنتاج المتعددة.

فضلاً عن الفائدة المادية التي تعود عليهم، يتحدث العمّال بسعادة عن الصداقة الحميمة التي تربطهم والدعم الذي وجدوه في العمل لدى مهاباد، حيث يعملون ويؤدون واجباتهم بجّد في التفصيل والقصّ والخياطة والتطريز.

تعمل ريناس عمر، البالغة من العمر 28 عاماً، كخيّاطة في محل نَمبَر وَن منذ سنة، وتتحدث عن مدى الفائدة التي جنتها من عملها في دعم أسرتها ذات الخَمس أفراد. تقول ريناس وهي واقفة خلف ماكنة الخياطة الخاصة بها: "الأمر لا يتعلق بمجرد الحصول على راتب شهري. بل يتعدى ذلك إلى تعلّم مهارات إضافية وتكوين صداقات جديدة".

تقول النسوة العاملات في المحل مازحات: "نحن نرغب في المجيء إلى المحل يومياً، حتى لو لم تستطع مهاباد أن تدفع لنا أجورنا. نريد فقط أن نكون معاً". وتقول مهاباد: "إذا كان المرء يعمل لأنه بحاجة للعمل فإنّه بالتأكيد لن يستمتع بعمله. لكن الأمر يختلف إذا كان العمل بدافع الشغف والرغبة. أنا أستمتع بعملي كل يوم، خاصة عندما أرى النتائج الإيجابية لعملي على العاملين لدّي".

أحدث القصص

أرسل لنا ملاحظاتك