EDF

غُرَز ومقصّات: قصص أمل من معمل للخياطة في كركوك

في صباح عادي من إحدى صباحات معمل بابا گرگر، تجد الخيّاطات يعملن بجّد واجتهاد، وينتقلن كالنحل من ماكينة إلى أخرى لخياطة ملابس فاخرة للأطفال والرجال والنساء. وبين غُرزهّن ومقصاتّهن تكمن قصص من الأمل والمثابرة وتحقيق الذات.

وحيد

"أنا خيّاط بالأصل، ومؤسس ومالك معمل بابا گرگر للخياطة في كركوك. لقد أحببت الخياطة منذ أن كنت طفلاً. وكان حلمي هو امتلاك معمل للخياطة، لذلك سعيت جاهداً لتحقيق حلمي.

في عام 1985، افتتحت أول محل خاص للخياطة، لكنني لم أكن أخيط سوى بعض القطع البسيطة لأنني كنت جديداً في السوق.
ازدهر عملي خلال فترة العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق عام 1990 بسبب للحظر الاقتصادي الدولي المفروض على العراق وضعف الإنتاج المحلي، حيث كان من الصعب على العراقيين شراء ملابس جديدة، لذلك، كنا نخيط الملابس ونبيعها.
بدأ محلي يستقبل العديد من الزبائن، وكنت أقوم بتصميم وخياطة ملابسهم. واضطررت إلى توظيف بعض العمال تلبية الطلب المتزايد، حتى أصبح لعمل لدي بمرور الوقت 35 عاملاً. كانت الحكومة العراقية آنذاك تدعم الصناعات المحلية بإعفاء تلك الصناعات من الضرائب والرسوم الجمركية، لذلك كانت الأرباح مرتفعة ومتزايدة.
عام 2005، تدهور الوضع الاقتصادي بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتتال الداخلي. وفي عام 2014 أصابت قطاع الأعمال ضربة أخرى بعد سيطرة تنظيم داعش على المناطق القريبة من كركوك وتعرض المدينة للهجوم. كما أنّ إهمال الحكومة للصناعة المحلية، أثر بشكل كبير على جميع الأعمال ومن ضمنها عملي. قبل الأزمة، كنت أنتج الزي الرسمي لعناصر الجيش والشرطة بالإضافة إلى شراشف الأسّرة الطبية ومجموعة واسعة من الأقمشة الخاصة بالاستخدام المنزلي. لكن المعامل توقفت عن الإنتاج واحداً تلو الآخر، وصار العمال يبحثون عن أعمال أخرى، وعن الوظائف الحكومية بالذات.
من جهة أخرى، وبسبب الضعف الذي أصاب صناعتنا، غزت الملابس والمنتجات الأجنبية سوقنا بأسعار تنافسية للغاية، الأمر الذي أثر بشكل أكبر على عملي، حتى أنني اضطررت إلى الاستغناء عن معظم العاملين لدي وتقليص عددهم إلى ثلاثة عمال فقط. ثم اضطررت إلى بيع ماكيناتي لكي أدفع أجرة المحل وأشتري المواد الخام البسيطة لمواصلة العمل، لكن ذلك لم ينفع. في النهاية، انهار عملي تماماً واضطررت لإغلاق محلّي.
في أحد الأيام التي كنت أشعر فيها باليأس، قرأت إعلاناً بالصدفة على وسائل التواصل الاجتماعي، منشوراً من قبل المنظمة الدولية للهجرة، يتحدث عن صندوق تنمية المشاريع (EDF). وعندما قرأت الشروط، أيقنت أن الفرصة قد أتت لكي أعود بعملي إلى عصره الذهبي؛ لذلك هرعت من فوري إلى مكتب المنظمة وملأت استمارة طلب المنحة.
بعد بضعة أيام رّن هاتفي؛ وإذا بالمتصّل أحد موظفي المنظمة الدولية للهجرة. طلب مني عبر الهاتف زيارة محلي ومقابلتي. بعد بضعة أشهر بعد المقابلة، حصلت على المنحة المالية واستخدمتها لنقل محلي إلى مبنى جديد وسط مدينة كركوك. بعد ذلك اتصلت بعمالي السابقين وسألتهم عما إذا كانوا يرغبون في العودة إلى عملهم السابق لدي. كما بحثت عن عمال جدد وخاصة النساء؛ واشتريت ماكينة تطريز جديدة ومعدات أخرى. وعاد العمل إلى طبيعته، وبدأت أكسب المال مرة أخرى. بعد ذلك بوقت قصير، بدأت أتلقى طلبات لخياطة الزي الرسمي من زبائن مختلفين، مما زاد من أرباحي، ومن دخل عمالي أيضاً.

المنظمة الدولية للهجرة لم تساعدني فقط في استعادة عملي، بل ساهمت أيضاً في دعم الاقتصاد المحلي وتحسين الظروف المعيشية لعوائل العاملين لدي، وتعزيز التماسك الاجتماعي بين النازحين والمجتمع المضيف، من خلال اتاحة الفرصة لهم للعمل والتفاعل سوية، لساعات عديدة كل يوم".

مصطفى

"كنت أعمل مع والدي الذي كان خياطاً للزي الرجالي العربي التقليدي (الدشداشة) في الأنبار. بعد هجوم داعش على منطقتنا، تركنا كل شيء وراءنا وهربنا إلى كركوك. ونتيجة لذلك تدهورت صحة والدي ولم يعد بإمكانه العمل وإعالتنا. لذلك بدأت البحث عن عمل في كركوك، وأثناء بحثي سمعت بمعمل وحيد للخياطة، فتقدمت بطلب للحصول على عمل معتمداً على مهارتي كخياط، لكني سرعان ما اكتشفت أنني لا أعلم شيئاً عن الماكينات والمعدات الحديثة.
لكني تعلمت بسرعة، وتخصّصت في خياطة الجاكيتات والقمصان. ولدي الآن دخل جيد لمساعدة أسرتي، وقد سجلّت في معهد خاص للتعليم آملاً أن أكمل دراستي الثانوية؛ وربما سأدرس الموضة والتصميم يوماً ما. ما يهمني الآن هو أن لدي عمل يشعرني أنني أصبحت أقترب من تحقيق حلمي خطوة بعد أخرى."

شيماء

"أنا فتاة خجولة وهادئة للغاية. لديّ ثلاث أخوات، وكان أخي هو المعيل الوحيد للعائلة لفترة طويلة من الزمن بعد وفاة والدي. تخرجت في كلية الزراعة، وكنت أطمح للعمل في القطاع العام لكي أساعد أسرتي وأخي. فبحثت طويلاً عن عمل ولكن دون جدوى، حتى زارتنا إحدى جاراتنا وأخبرت والدتي عن معمل الخياطة الذي يبحث عن عاملين وعاملات.
في البداية، عارضت والدتي فكرة عملي في القطاع الخاص، نظراً لأني أحمل شهادة بكالوريوس في الزراعة. لكنها ارتأت أن تقوم بزيارة المعمل للتحقق من وضعه قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن عملي فيه. وعند زيارتها للمعمل، تأثرت والدتي بالجو الودي والمحترم الذي يسود المكان وسرعان ما وافقت على عمل. وحصلت على العمل رغم أنني لم أكن أعرف الكثير عن الخياطة والتطريز."
"علمّني صاحب المعمل كيفية استخدام ماكينة التطريز، حتى تمكنت منها وأصبحت أستخدمها الآن بحرفية. لقد وفرت لنا هذه الوظيفة دخلاً إضافياً، ونحن الآن أقوى من السابق في مواجهة الصعوبات. وبينما تجلس صديقاتي في المنزل بانتظار وظيفة حكومية قد لا تأتي، أنا لديّ دخل جيد وعمل رائع".

نازَنين

"كنت أقوم بخياطة الملابس النسائية في حي القادسية في كركوك. كان لدي ماكينة خياطة قديمة، ومعظم زبائني كانوا فقراء وغير قادرين على دفع أجرتي نقداً. زوجي يبيع الشاي في كشك صغير في السوق، لذلك كان من الصعب علينا دفع أجرة الدار وغيرها من النفقات.
سمعت عن معمل الخياطة، فتقدمت بطلب وحصلت على العمل. كنت أطن أنني أعرف الكثير عن الخياطة، لكني اكتشفت أن هناك الكثير لأتعلمه، وخاصة في كيفية التعامل مع هذه الماكينات الكبيرة والمقصات الضخمة. رغم ذلك، تعلمت بسرعة وصنعت 900 تنورة مدرسية خلال شهرين.
ابنتي أيضاً حصلت على وظيفة كاتب في المعمل، وهي تحرز تقدماً، كما أن المعمل أصبح بمثابة بيتنا الثاني. ليس شيئاً مخجلاً للمرأة أن تعمل في القطاع الخاص؛ بل المخجل هو عندما تكون المرأة ضعيفة ولا تستطيع فعل أي شيء لنفسها ولمجتمعها. أنا فخورة بنفسي وبابنتي."

يحظى معمل بابا گرگر للخياطة بدعم صندوق تنمية المشاريع، وهذا الصندوق مبادرة بتمويل مشترك من مملكة هولندا، وزارة الشؤون الخارجية

بقلم: سازان جودن، بمشاركة آفند حسن. تصوير: أنجام رسول/المنظمة الدولية للهجرة في العراق.

أحدث القصص

أرسل لنا ملاحظاتك