صندوق تطوير المشاريع للنساء

تجهيزات أم ثائر – بغداد

وسط صخب شوارع بغداد المزدحمة وضوضائها، يُفاجَأ المرء بالهدوء الذي يميّز محل معجنّات سعدية حمزة. في فناء المخبز حيث أشجار التين والليمون، تجلس امرأة تقشّر البصل والدجاجات من حولها ينقرن حبّات قمح متناثرة على العشب. وفي الطابق العلوي، ولد صغيرٌ نائمٌ بينما توجّه أمّه رندة سعد، 41 عاماً، عمالّها حول أولويات العمل.

يقوم العاملون بخلط وعَجن الدقيق والبيض والزيت والسكّر معاً؛ ثمّ إعداد الخضروات للأطباق اللذيذة؛ وترتيب الحلويات؛ استعداداً لتوصيلها للزبائن.

فورَ فتح المحل أبوابه، تأتي حنان خيري لاستلام عُلَب الكعك والبسكويت التي توزّعها على المؤسسات الحكومية. تقول حنان: "أنا زبونة لهذا المحل منذ سنوات. فمنتجاتهم لذيذة". تدفع حنان ثمن مشترياتها، وتعود من حيث أتت.

كانت رندة قد علمت بمنحة صندوق تطوير المشاريع من خلال موقع فيسبوك. وبعد تقديمها لطلب الحصول على المنحة، حصلت على منحة قدرها 15.000 دولاراً، مكّنتها من شراء ثلاث ثلاجات جديدة وفرن وقلاّية وخلاّط؛ وانضّم إلى عمالّها الخمس ثلاثة عمّال جُدد. ومع ازدياد الطلب على منتجاتها، اضطرت رندة إلى توظيف سائق لديها لتوصيل منتجاتها إلى الزبائن.

عند حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحاً، يصل ياس سمير إلى المحل لحَمل المعجّنات. مضى على عمل ياس في المحل سبع سنوات، كان شاهداً خلالها على نموّ وتوسّع مخبز وتجهيزات أم ثائر، ومستفيداً من عمله الثابت فيه، كما إن ساعات عمله ازدادت مع زيادة المبيعات. وحالياً يقوم ياس بتوصيل الطلبات إلى المطاعم في المساء، إضافة إلى عمله النهاري.

قررت رندة، التي تزوجت وهي صبيّة في الخامسة عشرة من عمرها، فتح محل لصناعة المعجنّات مساهمة منها في إعالة أسرتها وإعانة زوجها الذي يعمل في صيانة مكيّفات الهواء، في تحمل المصاريف والنفقات؛ إذ تدفع هي أجرة البيت، وهو يدفع تكاليف المدارس والطعام. تقول رندة: "كان من المستحيل علينا إعالة أسرتنا اعتماداً على الراتب فقط".

ورغم إن لديها طموحات لتوسيع عملها، تقول رندة أنها أصبحت تشعر الآن فقط بالاستقرار، بعد مواجهتها لظروف صعبة عديدة. ففي عام 2019 اضطرت إلى غَلق محلها لمدة أربعة أشهر وسط الاحتجاجات ضّد الفساد التي اجتاحت بغداد. ثم أغلقته ثانية لمدة 6 أشهر خلال جائحة كورونا، والتي شكلت ضربة موجعة لها وللعاملين لديها.

تعافى عمل رندة سنة 2021. وهي ذات السنة التي باشرت فيها وفاء عباس العمل في المحل بفضل منحة صندوق تطوير المشاريع. وتقول وفاء التي تعّد وفاء أحدث العاملين في المحل، إنها محظوظة بعثورها على عمل في مدينة يكافح أهلها من أجل العثور على عمل؛ خاصة بعد اضطرارها لإجراء عملية مستعجلة لاستئصال الرحم في مستشفىً خاص عام 2020.

عادة ما تكون الرعاية الطبية مجانية في المستشفيات العامة في العراق، لكن طبيب وفاء أخبرها أنها بحاجة إلى عملية عاجلة ولا يمكنها انتظار دورها ضمن صفٍّ طويل من المرضى. "كان عليّ أن أنتظر أشهراً لإجراء العملية في مستشفى عام". كان من الممكن أن أموت آنذاك" تقول وفاء. نجحت عملية وفاء، لكنها تركتها مثقلة بالديون. وقد ساعدها عملها في إعداد فطائر اللحم خلال فترة ما بعد الظهر، على بدء رحلة طويلة لتسديد ديونها.

أحدث القصص

أرسل لنا ملاحظاتك