تسير نور أحمد وبرفقتها فتاتان صغيرتان، عبر الأبواب المعتمة لصالون الهَمَسات. اعتادت نور زيارة هذا الصالون منذ عامين، لكن حياتها كانت مختلفة آنذاك. إذ رغم كونها تبدو في الظاهر كأمّ لأسرة جميلة من زوج وابنتين صغيرتين رائعتين، إلاّ أنها كانت تروي لعاملات الصالون اللواتي يقمن بتقليم أظافرها وقص شعرها قصة مختلفة عن قسوة زوجها الذي يعاملها بعنف شديد خلف الأبواب المغلقة.
"أنا الآن وحدي"، تقول نور وهي تروي كيف حاول زوجها مؤخراً قطع معصميها؛ ما جعلها تدرك أن حياتها وحياة ابنتيها في خطر شديد، فقررت الطلاق من زوجها. فتقول لها شروق ضياء، إحدى مالكات الصالون: "ابنتاك أهم من زوجك. على المرأة أن تعتمد على نفسها، لا على زوجها أو أبويها، أو إخوتها".
تبدو صالونات التجميل النسائية مكاناً مناسباً لانعزال النساء، وتوفر بيئة ملائمة لازدهار منظومات الدعم النسائية. وهذه هي الفكرة الأساسية التي أدت إلى تأسيس الصالون عام 2012، حين جاءت شَهد منير، 29 عاماً، إلى شروق بالفكرة. كانت شَهد وفي العشرين من عمرها وأمّاً لطفل في ذلك الوقت. لكنها كانت تدرك أن إصرارها على النجاح، رغم فارق خمسة عشر عاماً من الخبرة بينها وبين شروق، يمكن أن يجعل من كليهما صاحبتَي صالون ناجح؛ وذلك ما دفعهما لتأسيس صالون الهَمَسات.
"هنا في هذا المكان، بإمكاني أن أوقف دوران العالم من حولي وأن أركّز على ما أحبّ" تقول شروق، التي واجهت العديد من الأحداث المضطربة طوال حياتها المهنية في بغداد. ففي عام 2007، قُتِل شقيق شروق إثر هجوم صاروخي على بغداد. ثمّ فقدت شقيقها الآخر إبّان فترة الاقتتال الطائفي. بيد إنّ شروق لم تفقد حماسها ورغبتها في العمل رغم المآسي التي شهدتها. "الحياة تستمر. فرغم الحرب، لم تنقطع الزبونات عن زيارة الصالون؛ لذا كان علينا الاستمرار في العمل".
لشروق ابنة تبلغ 16 عاماً اسمها ملاك أحمد، تعمل كأخصائية أظافر في صالون الهَمَسات. تقول ملاك متبسّمة إنها تشعر بالرضا بمساعدتها لزبونات الصالون. "أنا ممتنة جداً لأمّي على منحها إياي هذه الفرصة" تضيف شروق.
استخدمت شروق وشَهد منحة صندوق تطوير المشاريع البالغة 10,000 دولار في شراء أجهزة خاصة بتجميل الوجه، وتوظيف عاملات جُدد للعمل على تلك الأجهزة. تقول شروق: "علينا أن نكون على دراية بمستجدات المهنة وما فيها من ممارسات حديثة". وتبدو سعيدة بازدهار عملها وازدياد عدد زبوناتها، وبتوفيرها المزيد من فرص العمل للنساء في مجتمعها. "نحن فخورات أننا قادرات على توفير الفرص للآخرين" تضيف شروق.